فلوس الدعم‮.. ‬في السوق السوداء

[b]فلوس الدعم‮.. ‬في السوق السوداء

محرر‮ »‬الوفد‮« ‬اشتري الدقيق المدعم من مخبز أم المصريين‮.. ‬وباعه في الهرم‮!‬
فلوس الدعم‮.. ‬في السوق السوداء 50771l

قام
بالمغامرة‮: ‬عبدالوهاب عليوة:
60‮ ‬مليون جنيه تنفقها الحكومة يومياً‮ ‬علي دعم رغيف الخبز‮.. ‬أي
حوالي‮ ‬90‮ ‬قرشاً‮ ‬يومياً‮ ‬لكل مصري‮.. ‬أين تذهب كل هذه الأموال؟‮..
‬هذا هو السؤال الذي رحت أبحث عن إجابته لمدة‮ ‬20‮ ‬يوماً‮ ‬كاملاً‮ ‬وفي
النهاية اكتشفت عجباً‮.‬
الإحصائيات تؤكد أن مصر الأولي عالمياً‮ ‬في استهلاك الدقيق حيث نستهلك‮
‬220‮ ‬مليون رغيف تنتجها ما يقرب من‮ ‬19‮ ‬ألف مخبز بلدي‮.‬
وحسب التصريحات الحكومية فإن فاتورة دعم الخبز تبلغ‮ ‬نحو‮ ‬22‮ ‬مليار
جنيه سنوياً‮ ‬أي أكثر من‮ ‬60‮ ‬مليون جنيه يومياً‮ ‬وتعتبر معدلات
الاستهلاك من القمح في مصر الأعلي عالمياً،‮ ‬حيث يبلغ‮ ‬متوسط الاستهلاك
للفرد‮ ‬190‮ ‬كيلو جراماً،‮ ‬فيما لا يتجاوز المتوسط العالمي لاستهلاك
الفرد‮ ‬90‮ ‬كيلو جراماً،‮ ‬وأكدت الإحصائيات أن إجمالي استهلاك مصر من
القمح يعادل استهلاك‮ ‬37‮ ‬دولة في أوروبا‮!‬
أين تذهب هذه المبالغ‮ ‬الطائلة وتلك الكميات الهائلة من الدقيق؟‮.. ‬وهل
تصل فعلاً‮ ‬إلي مستحقيها؟‮.. ‬هذا ما رحت أبحث عنه علي مدار‮ ‬20‮
‬يوماً‮ ‬في أماكن مختلفة ومتفرقة‮.‬
بدأت من منطقة أم المصريين بالجيزة حيث يقع بها الكثير من المخابز
البلدية‮.. ‬بعضها تابع للحكومة وبعضها يملكه أفراد‮.. ‬اخترت أحد المخابز
الذي يتبع شركة المخابز وتوجهت إلي الباب الخلفي وكان يقف هناك بعض
المواطنين وبينهم بائعو العيش الذين يحصلون عليه بخمسة قروش ويقيمون ببيعه
بعشرين قرشاً‮ ‬مقابل إعطاء المسئول عن المخبز خمسة جنيهات عن كل عشرة
جنيهات عيش،‮ ‬أثناء فتح الباب الخلفي تحدثت مع أحد العاملين ويدعي‮
»‬حسن‮« ‬قلت له‮: ‬أنا فتحت توك توك،‮ ‬والتوك توك يعني الفرن الأفرنجي
وطلبت منه الحصول علي شيكارتين دقيق،‮ ‬فنظر لي من فوق لتحت،‮ ‬حتي لا
أعطيه فرصة للشك في،‮ ‬قلت له‮: »‬يا ريت توصلهم لي إلي التوك توك‮« ‬ـ أي
الفرن ـ وتأخذ اللي أنت عاوزه،‮ ‬فقال‮ »‬الدقيق في البيت لا أستطيع أن
أعطي دقيق الآن من الفرن لأن محمود قام بشراء الكمية الزيادة من
الدقيق‮«.. ‬فسألته محمود مين؟‮.. ‬فقال‮: ‬محمود مرعي تاجر الدقيق فهو
يأخذ الدقيق من جميع الأفران ويقوم ببيعه إلي الأفران ومحلات العلافة
والحبوب وتستطيع الشراء منه في أي وقت تريد،‮ ‬فقلت له‮: ‬اعطني شيكارة
واحدة،‮ ‬أمشي بها حالي دلوقتي وبعدين تفرج‮.. ‬وهنا ردت إحدي السيدات
التي كانت داخل الفرن قالت‮: ‬يا بني بتوع التموين مش سيبنا في حالنا ربنا
ينتقم منهم،‮ ‬فقلت لها‮: ‬إني معي عربية وسوف أأخذها وأنصرف فوافقت
وأعطاني الشيكارتين التي تزن‮ ‬50‮ ‬كيلو بخمسين جنيهاً‮ ‬وأخذت الشيكارة
في سيارة‮ »‬الوفد‮« ‬وعدت إلي مقر الجريدة،‮ ‬وكانت المفاجأة أن الشيكارة
مدون عليها شهران من تاريخ الصلاحية شهران من تاريخ الإنتاج بينما لا يوجد
عليها تاريخ إنتاج‮.‬
وفي اليوم التالي ذهبت إلي ذات المنطقة‮ »‬أم المصريين‮« ‬محاولاً‮
‬الوصول إلي‮ »‬محمود مرعي‮« ‬الذي يجمع الدقيق من المخابز وكانت سيارة
التموين تمر علي الأفران بالمنطقة،‮ ‬أثناء الوقوف أمام الفرن تحدثت مع
أحد العاملين بها وفجأة جاء مفتش التموين فنادي بأعلي صوته‮: »‬العيش
الناحية التانية‮« ‬وطلب من الواقفين التحرك إلي الجهة الأخري‮.. ‬تركت
الفرن وانتقلت إلي فرن آخر وطلبت من إبراهيم،‮ ‬وهو أحد العاملين بأحد
الأفران شيكارة دقيق لأنني فاتح توك توك جديد علي قد حالي فقال‮: »‬هات
عربية وتعالي خدها‮«‬،‮ ‬فقلت له‮: ‬إن السيارة موجودة معي،‮ ‬فقال‮:
‬هات‮ ‬75‮ ‬جنيهاً‮ ‬ثمن الشيكارة،‮ ‬فقلت‮ ‬75‮ ‬جنيهاً‮ ‬دي الشيكارة
بـ‮ ‬8‮ ‬جنيهات،‮ ‬كفاية خمسين جنيهاً،‮ ‬فرد بغضب‮: ‬هات‮ ‬75‮ ‬جنيهاً‮
‬ومفيش فصال‮.. ‬دفعت له الفلوس وأخدت الشيكارة وانصرفت في هدوء‮.. ‬وفجأة
انطلق صوت إحدي السيدات التي رأتني أحمل الشيكارة وصرخت بالدعاء علي مفتشي
التموين وقالت‮: ‬حرام عليكم يا ظلمة‮.. ‬سيبوا الناس تاكل عيش حرام
عليكم،‮ ‬رغم أنها كانت تقف في الطابور قبل مجيء سيارة التموين،‮ ‬ورد
عليها مواطن آخر مؤكداً‮ ‬أنه كان يعمل موظفاً‮ ‬في شعبة مخابز القاهرة
وقال‮: ‬متزعليش هيقسموها،‮ ‬هنا تدخلت في الكلام،‮ ‬سألته‮: ‬يعني إيه
هيقسموها؟‮.. ‬فأكد أن مفتش التموين إذا أقر أن المخبز استخدم الدقيق
بطريقة شرعية في صنع الخبز يحصل علي مكافأة،‮ ‬فطلبت منه أن يوضح أكثر،‮
‬فقال‮: ‬المخبز الذي يستخدم‮ ‬40‮ ‬شيكارة دقيق يومياً‮ ‬لمدة ثلاثة أشهر
يحصل من الحكومة بعد نهاية الثلاثة أشهر علي آلاف الجنيهات كمكافأة‮..
‬وهذا المبلغ‮ ‬يمكن تقسيمه بين صاحب المخبز والمفتش المرتشي‮.‬
تركت المكان وأنا أسأل نفسي‮: ‬من يتحمل مسئولية الفساد؟‮.. ‬أم أن
المسئولية من الأهالي أو الجميع؟
أردت أن استكمل الحكاية وأبيع الدقيق الذي اشتريته من المخبز لمحلات
العطارة والعلافة في المناطق الشعبية حيث يتراوح سعر الكيلو ما بين‮ ‬150‮
‬و175‮ ‬قرشاً،‮ ‬هنا قمت بتجهيز الأدوات التي سوف استخدمها من أكياس
بلاستيكية وميزان ولافتة صغيرة توضع السعر‮.. ‬نقلت الدقيق والأدوات إلي
منطقة الطالبية بالهرم،‮ ‬وعلي ناصية أحد الشوارع قمت بتجهيز الدقيق لعرضه
للبيع وأثناء ذلك جاءت السيدات لتشتري ويسألن عن سعر الكيلو الذي حددته
بـ‮ ‬150‮ ‬قرشاً،‮ ‬كان التعامل معنا عادي جداً،‮ ‬فلم يكن هناك استغراب
أو دهشة من أننا نبيع دقيق بلدي‮.. ‬عملية البيع تمت بسرعة كبيرة لم أكن
أتوقعها ولما انتهيت من البيع كانت الزبائن تتدفق علي‮.. ‬إحدي السيدات
التي تريد دقيق جاءتني تسأل‮: ‬هل قمت ببيع كل ما لديك من دقيق؟‮.. ‬قلت‮:
‬نعم‮.. ‬فقالت‮: ‬أنت‮ ‬غشيم قوي‮.. ‬سألتها‮: ‬ليه؟‮.. ‬فقالت‮: ‬أنت
تبيع الدقيق من شيكارته مباشرة‮.‬
لم أفهم ماذا تقصد فواصلت الكلام قائلة‮: ‬احمد ربنا إنه سترها معاك وبتوع
التموين ما شفوكش‮.. ‬المرة الجاية خليك ناصح وابقي انقل الدقيق من
الشيكارة الخضراء بتاعة الحكومة إلي شيكارة أخري علشان لو حد مسكك تقول
إنه دقيق بلدي مش من بتاع الحكومة‮.. ‬قلت لها‮: ‬كتر خيرك‮.. ‬بصراحة أنا
لسه جديد في الموضوع ده‮.. ‬فقالت‮: ‬ولا يهمك‮.. ‬كلنا عملنا كده في
الأول وربنا فتح علي ناس كتير وبعضهم فتح فرن أفرنجي وشغله من دقيق
الحكومة،‮ ‬وربنا ما بينساش حد‮.‬
تركتها وأنا مندهش‮.. ‬فرغم أنهم يسرقون دقيق الغلابة إلا أنهم يتكلمون
عن‮ »‬ربنا‮« ‬وعن‮ »‬ستره‮« ‬و»عونه‮«!!‬