القاهرة تغلي والجزائر تتجاهل والسودان تنفي كل ما تقوله مصر والعالم غير مهتم

من ناحية أخري استمر أمس لليوم الثاني علي التوالي التصعيد المصري علي المستويين الرسمي والإعلامي تجاه الأحداث المؤسفة بعد مباراة مصر والجزائر التي أقيمت بالخرطوم الأربعاء الماضي، بدا أمس أن الجزائر علي المستوي الرسمي تسعي علي مضض للتهدئة، بينما تحاول مصر عزل علاقاتها مع السودان عن أي تدهور حاصل في العلاقات المصرية ـ الجزائرية.

وعلي الرغم من التصعيد المصري وحالة الغليان اللافتة للانتباه علي المستويات الرسمية والشعبية، بدا أن الجزائر غير مهتمة، حيث صدرت عنها مواقف وردود أفعال باهتة ولم تسع لامتصاص الغضب المصري، فيما وقف العالم، خاصة الدول العربية، موقف المتفرج.

بينما أدلي عمرو موسي ـ الأمين العام للجامعة العربية ـ بتصريح مقتضب، دعا فيه المصريين والجزائريين إلي الهدوء بعد التوتر.

في المقابل، سمحت وزارة الداخلية للمرة الأولي للمواطنين بالتظاهر أمام سفارة الجزائر في حي الزمالك، حيث احتشد نحو ألفي مصري، مرددين الهتافات للمطالبة بقطع العلاقات مع الجزائر وإغلاق سفارتها وطرد سفيرها من القاهرة، إلا أنه مع إصرار عناصر من ذلك التجمع ـ حسب بيان الداخلية ـ علي التقدم مباشرة إلي مقر السفارة وألقي عدد منهم الحجارة نحو قوات الشرطة، مما أسفر عن إصابة 11 ضابطاً و24 من الأفراد، وحدوث تلفيات بخمس عشرة سيارة خاصة وشرطة، وكذا تهشم واجهات أربعة محال ومحطة وقود واثنتي عشرة لوحة للإعلانات اضطرت قوات الشرطة لتفريق المتجمعين وضبط متزعمي أعمال الشغب.. وجارٍ مباشرة النيابة للتحقيق.

ووسط اندهاش واستغراب رسمي لموقف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي تجاهل التعليق علي هذه التطورات واستقبل منتخب بلاده العائد استقبال الفاتحين بقصره الرئاسي، رغم العلاقات الشخصية القوية التي تربطه مع الرئيس حسني مبارك، حيث كان بوتفليقة برفقة الزعيم الليبي العقيد القذافي لتعزية الرئيس في وفاة حفيده قبل بضعة شهور، شنت وكالة الأنباء الجزائرية هجوماً عنيفاً علي الموقف المصري، بينما أكد عبد العزيز بلخادم ـ وزير الدولة الممثل الشخصي لبوتفليقة ـ أن ما يربط الشعبين الجزائري والمصري «أكبر بكثير من أن يتأثر بانفعال بعض المصريين».

وعلمت «الدستور» أن أطرافا عربية من بينها ليبيا سعت للدخول علي خط الوساطة بين القاهرة والجزائر لتفادي المزيد من التدهور في العلاقات الثنائية، وحتي لا تؤثر في فرص مشاركة الرئيسين المصري والجزائري في القمة العربية التي ستعقد في ليبيا برئاسة العقيد معمر القذافي نهاية شهر مارس المقبل، لكن مصر تحفظت علي أي وساطة، واستبعد السفير الجزائري في القاهرة عبد القادر حجار أن تقدم بلاده علي سحبه ردا علي قرار مصر بسحب سفيرها من الجزائر بحجة التشاور، وأكد حجار أنه باق في مصر.

لكن عبد العزيز بلخادم ممثل بوتفليقة وبعد أن أشار إلي أن الجزائريين كانوا ضيوفا علي مصر ولم يكونوا معتدين أكد أن «النظرة الاستعلائية ليست مقبولة» مضيفا أن الشعب الجزائري «يقدر كل شيء لكن لا يقبل أن يهان أو يطعن في تاريخه وفي رموزه».

وعلي نفس المنوال وجه عبد العزيز زياري -رئيس المجلس الشعبي- الوطني رسالة إلي أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري ردا علي الرسالة التي كان قد تلقاها منه في وقت سابق أعرب فيها عن أسفه لعدم تنديد الجانب المصري بما أسماه بـ«العنف الذي مورس علي الفريق الوطني الجزائري ومناصريه في مقابلة القاهرة».

وفي محاولة لعزل السودان وعلاقاته مع مصر عن أي تدهور في العلاقات المصرية الجزائرية، كلف الرئيس مبارك وزير الخارجية أحمد أبو الغيط بدعوة سفير السودان بالقاهرة إلي مقابلته، وإبلاغه شكر وتقدير مصر للسودان الشقيق قيادة وحكومة وشعبا.

وكانت الخارجية السودانية قد استدعت سفير مصر بالخرطوم وأبلغته احتجاج السودان ورفضه للنهج الذي اتبعه عدد من أجهزة الإعلام المصرية في الإساءة للسودان والنيل منه بطريقة غير مقبولة ورفض السودان القاطع لهذا المسلك وتجاهل مجلس الوزراء السوداني الذي اجتمع برئاسة الرئيس عمر البشير الاعتداءت الجزائرية علي مشجعي وفناني ولاعبي مصر، واكتفي بالإشادة بأجهزة الحكومة التي نفذت ما وصفه بـ«خطة ممتازة».

وأعلن الفريق محمد عبدالمجيد الطيب الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة السودانية نجاح الخطة الأمنية المحكمة التي وضعت لمباراة الأشقاء المصريين والجزائريين دون خسائر في الأرواح أو بلاغات أذي جسيم ماعدا ثلاثة بلاغات في الأذي البسيط حدثت بسبب عدم التزام بعض المشجعين المصريين بطرق السير الموضوع لهم، معبرا عن أسفه بالتصريحات السالبة للإخوة المصريين في القنوات المصرية التي اتهموا فيها الشرطة السودانية بعدم المقدرة علي توفير الحماية لهم.

وأكد اللواء عمر سليمان -رئيس المخابرات المصرية-في اتصاله الهاتفي مع مدير المخابرات السوداني وفقا لتقارير واردة من الخرطوم عن عميق شكره للجهود الجبارة التي قامت بها الأجهزة الأمنية السودانية، كما اتصل وزير الإعلام المصري أنس الفقي بنظيره السوداني الزهاوي إبراهيم مالك لذات الشكر.. في هذه الأثناء قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية إنه تم أمس الأول استدعاء سفير الجزائر بالقاهرة، من قبل مساعد الوزير للشئون العربية الذي قام بإبلاغه باستياء مصر البالغ من الاعتداءات التي تعرض لها المواطنون المصريون الذين توجهوا إلي الخرطوم تشجيعا للفريق الوطني المصري علي أيدي المشجعين الجزائريين.

وفي السياق نفسه وقعت مشادة كلامية بين قيادات الحزب الوطني بالدقهلية بسبب طريقة توزيع تذاكر السفر إلي السودان لحضور مباراة مصر والجزائر، وتطورت المشادة بالأيدي مما أدي لإصابة أمين التنظيم رياض الرفاعي بخمس غرز في وجهه حسب تقرير الزميلين صالح رمضان وعلاء القهوجي.

بدأت المشادة بسؤال المهندس السيد الإتربي ـ الأمين العام المساعد ـ عن كيفية توزيع تذاكر المباراة وطريقة اختيار الأسماء التي سافرت.

ورفض الدكتور الرفاعي الرد قائلاً: «وانت إيه دخلك؟»، فقام الإتربي بقذف أمين التنظيم بزجاجة فأصابه بجرح في وجهه «5» غرز وجرح آخر في يده.

ويلقي الرئيس «مبارك» اليوم خطاباً سياسياً أمام الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشوري في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة حسب تقرير زميلنا صالح مجدي، وتتجه أجواء الغضب والاستياء من الاعتداءات الجزائرية علي الجماهير المصرية في شوارع الخرطوم عقب مباراة الأربعاء إلي فرض نفسها علي الخطاب، حيث يتوقع أن يواجه عدد من النواب «مبارك» أثناء إلقائه خطابه بمطالبات باتخاذ موقف قوي وحاسم تجاه هذه الاعتداءات التي تكررت بصور مختلفة في سنوات سابقة من الجماهير الجزائرية ضد المصريين، فضلاً عن توفير حماية أكبر لآلاف المصريين العاملين في الجزائر والذين يواجهون حالياً تهديدات خطيرة لحياتهم وسلامتهم، فهل يعلق الرئيس بما يفتح باباً جديداً للحماس السياسي أو الانفعال الإعلامي أم يقول كلاماً يعيد الهدوء ويبث الطمأنينة بحيث يتم تدارك التصعيد والمزايدة؟.

نقلا عن جريدة الدستور 21 من نوفمبر 2009